محمد علي محروس
لا يمكن الاستهانة بالشباب اليمني في ظل الأدوار المحورية التي لعبوها مؤخرًا، تحديدًا منذ عام 2011، ولا يبدو ذلك غريبًا، بالنظر إلى إن حوالي 69% من سكان اليمن تقل أعمارهم عن 30 عامًا، وهي نسبة يجب الانتباه لها عند وضع السياسات العامة للبلد؛ كونها تشكل الأغلبية من التركيبة السكانية وذات اهتمامات خاصة، وتطلعات تحتاج إلى من يتبناها ويستوعبها في إطار ما سيتم العمل عليه على مستوى شؤون إدارة البلاد.
ما بعد 2011، ونتيجة للحضور الشبابي الواسع، كان هناك توجهًا معلنًا بتمكين الشباب من لعب أدوار مهمة في كل مفاصل الدولة، وتوصلت جميع الأطراف إلى تمثيل الشباب بنسبة لا تقل عن 20% في سلطات الدولة الثلاث كمخرج للتوجه نحو الحكم الرشيد ضمن مخرجات الحوار الوطني التي لم تتمكن من الوقوف في وجه الحرب التي اندلعت وتسببت لاحقًا في وضع الشباب أمام خيارات صعبة للتعامل مع المستجدات القسرية التي تعيشها البلاد.
القضاء على الفساد والمحسوبية، وإنعاش الوضع الاقتصادي لتوفير فرص عمل تحسين النظام التعليمي ورفع نوعية التعليم، إضافة لتحسين الخدمات للشعب في قطاعات حيوية مثل الكهرباء، المياه، والصحة، هذه الأولويات التي تطلّع إليها الشباب اليمني بعد عام 2011، وفقًا لتدوينة نشرها البنك الدولي في فبراير/ شباط 2012، بينما أصبحت هناك أولويات واحتياجات مختلفة منذ اندلاع الحرب عام 2015 فإضافة للانتعاش الاقتصادي، ظهرت أزمة الصحة النفسية المتزايدة، والعمل على ضمان حماية الشباب والشابات، ومنع استمرار إلحاق الضرر بنظام التعليم نتيجة تسييسه واستخدامه كسلاح حرب، وشفاء الجروح التي أدت إلى تآكل التماسك الاجتماعي وتدهور النسيج الاجتماعي، بحسب دراسة لمنتدى سلام اليمن في يناير/ كانون الثاني 2022.
يلاحظ أن الحماس الشبابي الذي بلغ ذروته خلال الفترة الممتدة بين عامي 2011 و2013 أخذ في التلاشي مع وصول البلاد إلى انسداد الأفق سياسيًا، وتوجه الأطراف إلى صراع مسلح، اتخذت فيه الشباب المنتمين إليها وقودًا لذلك الصراع، بينما أصبحت الرؤى الشبابية المطروحة، والآمال المعلّقة بلعب دور مفصلي في مستقبل البلاد في مهب الريح، وما كان يتم تشكيله، لم يعد مطروحًا، إذ تبدّل اللاعبون، وتغيّرت قواعد اللعبة، واتجه الجميع إلى إقصاء الشباب بطرق متباينة وغير معلنة.
إن حتمية القرار تقتضي أن يختار الشباب الأسلوب الذي يناسبهم للتعامل مع قضاياهم واحتياجاتهم الآنية بعيدًا عن التجاذبات السياسية الحاصلة، وهو ما يعني ضرورة وجود توافق تمكيني يعيد الاعتبار للنسبة الأعلى سكانيًا، والأكثر تهميشًا على مستوى الأدوار والحقوق، وهنا تتجلى عملية الإقصاء الممارسة من قبل القوى السياسية تجاه الشباب، حتى المنتمين إليها، الذين وصل غالبيتهم إلى إنها لا تواكب طموحاتهم، ولا تلبي احتياجاتهم التي ولدتها الظروف المصطنعة بفعل الصراع السياسي.
لقد تولدت رغبة قوية لدى الشباب في أن يجري صنع القرار من خلال عمليات قانونية رسمية بدلًا من الوسائل أو المؤسسات غير الرسمية، كالأحزاب، ولكن هذه الرغبة اصطدمت بالحرب التي اتُخذت عذرًا من قبل السلطات المتحكمة بالمشهد من حيث الحاجة إلى الخبرات لإدارة الوضع والعمل على عسكرته أو اللجوء إلى المحاصصة التي اعتمدت في خيارتها الانتماء على حساب الكفاءة، ليؤدي ذلك إلى فشل مؤسسي ذريع في مناطق سيطرة كل طرف.
تبقى التجاذبات السياسية هي السبب الأبرز في إقصاء الشباب، تليها الصراعات العسكرية التي تستخدم الشباب في غير موضعهم، وبالتالي يترتب عليها الكثير من أسباب تشتيت الطموحات الشبابية بفعل البطالة، والعزوف عن التعليم، والانضمام لتشكيلات مسلحة، وصناعة توجهات جديدة أدت في نهاية المطاف إلى عزوف شبابي كبير عن الاهتمام بضرورة لعب أدوار حقيقية للتأثير على مراكز صناعة القرار والعمل كتكتلات لها ثقلها بعيدًا عن أي حسابات أخرى.
إن حاجتنا كشباب تتجلى بوضوح في ضرورة تأسيس كيان جامع، يتبنى الرؤى الشبابية، ويضغط من أجل تحقيقها والعمل بها، ليس فقط لتمكين الشباب، بل لنساهم في لعب دور محوري على المستوى الوطني، ونشارك في وضع الحلول الاقتصادية والسياسية، ونعمل على ردم الفجوات وتقريب وجهات النظر وصولًا إلى حل شامل طال انتظاره.