مازن فارس
يعيش سكان البلدان الغارقة في الصراعات في زمن من عدم اليقين، إذ تتزايد المخاطر بمختلف أنواعها وتتوالى الأزمات المركبة على حياتهم في ظل غياب أي حلول أو انفراج للأزمات التي تلاحقهم.
خلال السنوات الخمس الأخيرة، بات وصف "أسوأ أزمة إنسانية في العالم" مرتبط بشكل وثيق باليمن الذي يشهد صراع دامِ منذ ثمانية أعوام، ألقى بظلاله على الوضع الإنساني والاقتصادي و فاقم حياة السكان.
كما ألحق الصراع خسائر كبيرة في الأرواح وتسبب بموجات كبيرة من النزوح ملحقًا أضرار بالبنية التحتية وتقديم الخدمات في جميع القطاعات الاقتصادية والمجتمع.
وأدى تفاقم النزاع إلى استنزاف المجتمعات المحلية وعجز المؤسسات غير المتطورة عن تقديم الخدمات والاستجابة للأزمة بشكل مناسب.
ويحتل اليمن المرتبة الخامسة في قائمة الدول العشرين التي تعاني من أسوأ الأزمات حول العالم لسنة 2022، بحسب قائمة "مراقبة الطوارئ" السنوية الصادرة عن لجنة الإنقاذ الدولية (1).
يُصنف اليمن كدولة هشة تقع في أسفل العديد من مؤشرات التنمية البشرية والاجتماعية والاقتصادية حيث عانى البلد من الصراع والحروب وعدم الاستقرار لعقود.
وخلال سنوات الصراع برزت الحاجة لتعزيز "الصمود المجتمعي" على المستوى المحلي ودوره في معالجة المخاطر المتزايدة التعقيد وآثارها على سكان المناطق الأكثر ضعفًا.
ويعد تعزيز الصمود المجتمعي خطوة نحو التنمية المؤسسية والمجتمعية المستدامة، ويتطلب تعزيز هذه الخطوة في اليمن العمل في أشد البيئات هشاشة وصعوبة بالإضافة إلى بناء قدرات منظمات المجتمع المدني المحلية، ودعم المشاريع الصغيرة، ومساعدة الأمن الغذائي، والرعاية الصحية الأولية والإنجابية.
ومن أجل بناء مجتمعات تتمتع بالتمكين والقدرة على الصمود هناك حاجة إلى الالتزام السياسي وإقامة شراكة مع المجتمع المدني وإنشاء هيكل واضح للحوكمة من أجل توجيه المشاركة المجتمعية وتنسيقها على نحو أفضل باستخدام نهج متعدد القطاعات (2).
كما يتطلب تعزيز الصمود المجتمعي تعزيز دور المجتمع وإعطاء الأولوية لتقدير وفهم للقدرات والمبادرات المجتمعية وفهم وتحليل استراتيجيات التكيف الإيجابي التي طورها المجتمع خلال سنوات النزاع.
ويجدر بنا الإشارة هنا إلى أن الصمود المجتمعي هو قدرة المجتمع على المرونة في مقاومة المخاطر واستيعابها والتعافي من آثارها بطرق فعالة.
وتتمثل خيارات صمود المجتمع في أدوات السيطرة الفاعلة على المخاطر والمسؤولية والمبادرات الاجتماعية وتعزيز وتقوية الأنساق الاجتماعية وتمكين الفئات الأكثر هشاشة وتطوير مهاراتهم في التعامل مع الصدمات والضغوط المختلفة (3).
وخلال سنوات الحرب الثماني في اليمن برزت العديد من النماذج على الصمود المجتمعي في مواجهة الأزمات وتمكنوا من التغلب عليها كما هو الحال مع مشاريع تأهيل الطرق في المناطق الريفية في مناطق عدة، والقائمة على التعاونيات والمساهمات المجتمعية.
إلى جانب ذلك هناك تدخلات نفذتها منظمات أممية وعملت على تنفيذ مشاريع تدعم الصمود المجتمعي وتعزز أهمية ذلك، وهذا ما لاحظناه في المشاريع التي ينفذها برنامج الأمم المتحدة الإنمائي فيما يتعلق بدعم المشاريع الصغيرة والصمود الريفي.
ومع تراجع جهود المنظمات العاملة في البلاد جراء نقص التمويل –كما تقول- واستمرار التدهور الاقتصادي لاسيما في حين لا تزال التسوية السياسية الشاملة بعيدة المنال تبرز الحاجة الملحة للصمود المجتمعي وتفعيل دور الجهات الفاعلة ومقدمي الخدمات من خلال بناء القدرات والشراكة مع الوكالات الأممية والقطاع الخاص.
تكشف لنا دراسة حديثة أن المجتمعات المحلية ومدى صمودها أمام حجم المشاكل التي تواجههم في مختلف مجالات الحياة في ظل ضعف المؤسسات وبرامج تعزيز مرونة المجتمع.
الدراسة صادرة عن "منظمة شباب بلا حدود للتنمية" تناولت الصمود المجتمعي واحتياجات المجتمعات المحلية في مديريات جبل حبشي، المظفر، والمسراخ وذوباب في محافظة تعز لسنة 2022، بمشاركة 830 شخصا من كلا الجنسين، من مختلف شرائح المجتمع.
ناقشت الدراسة 12 قضية أساسية تتعلق باحتياجات المجتمع للسكن والتعليم والكهرباء والخدمات والصحة والأمن الغذائي والتماسك الاجتماعي والعدالة والوضع الاقتصادي.
وخلصت الدراسة إلى وجود طلب عالي على المساكن مع ارتفاع تكلفة الإيجارات بشكل لا يتلاءم مع قدرات السكان الاقتصادية، فضلًا عن ارتفاع تكلفة الكهرباء رغم عدم وجود الخدمة.
تشير الدراسة إلى استمرار ارتفاع أسعار الوقود وعدم توفره وشحة المياه جراء توقف ضخ المياه من الآبار التي تقع خارج نطاق مركز المدينة و تهالك الشبكة.
و بشأن الوضع الصحي، شكا المجتمع المستهدف في الدراسة من صعوبة الحصول على الخدمات الصحية وارتفاع تكلفة الدواء وعدم القدرة على تحملها وعدم توفر المعدات والاجهزة الطبية في المراكز والمستشفيات وقلة الكوادر الطبية.
كما كشفت الدراسة إلى ارتفاع تكاليف التعليم وعدم قدرة الناس على تحملها، وأن المناهج لا تواكب العصر ومتطلبات سوق العمل.
الدراسة تطرقت أيضًا إلى أن المجتمع يعاني من ارتفاع تكلفة السفر والتنقل وتعرض المسافرين للمضايقات والتفتيش. فيما يعاني التجار من الجبايات المفروضة على نقل السلع والمنتجات.
كما تشير إلى تضاعف أسعار الأغذية بالتزامن مع النقص الحاد في السلال الغذائية الممولة من برنامج الغذاء العالمي وهو ما ينذر بأزمة شديدة على مستوى الأمن الغذائي.
وفيما يتعلق بالوضع الاقتصادي والاجتماعي، ذكر السكان أنهم يواجهون مشكلة في تذبذب سعر الصرف المحلي وعدم ثباته مع وجود إحجام في القطاع الخاص عن الاستثمار بالإضافة إلى قلة وضعف الموارد والخدمات إلى جانب المنافسة في سوق العمل التي أثرت على التماسك المجتمعي.
ونظرًا لانتشار الفساد والمحسوبية والواسطة في القطاع الأمني والقضائي وعدم فاعلية آليات العدالة وضعف القدرات الأمنية يلجأ الناس في النزاعات إلى شيوخ القبائل وعقال الحارات، بحسب الدراسة.
-المراجع
1. تقرير لجنة الإنقاذ الدولية - https://www.rescue.org/.../top-10-crises-world-cant...
2. بناء مجتمعات قادرة على الصمود من أجل صحة ورفاهية أفضل في إقليم شرق المتوسط، منظمة الصحة العالمية، المكتب الإقليمي لشرق المتوسط
3. رأس المال الاجتماعي: الوجه الآخر للصمود المجتمعي