أحمد الإبراهيمي
يعد دور الشباب والشابات من أهم الأدوار التي أصبح العالم يتجه نحوها، ويستخدمها في صناعة السلام والتنمية، خاصة في البلدان التي تعيش توترات عسكرية وسياسية ، ولم يعد إشراك الشباب والشابات في الأدوار القيادية، وإدخالهم ضمن منظومة الحكم وصناعة القرارات مجرد نصوص مكتوبة، أو مشاريع طامحة، بل أصبح حقًّا يُلزم المكونات السياسية والسلطات الحاكمة وذلك لِما للشباب من دور محوري في صناعة السلام وتنمية بلدانهم، خصوصًا تلك التي أثقلتها الحروب والتمزقات السياسية.
والمفارقة هي أن هناك من يرى بأن فئة الشباب مخزونًا بشريًّا يمكن استخدامه كوقود حرب، لا طاقات فاعلة يمكن استخدامها بشكل مؤسسي، للنهوض بمستوى التعليم والعمل الذي يلبي احتياجاتهم، ويترجم أهداف التنمية المستدامة، لجعل الشباب كوادر بناء، لا معاول هدم.
وقد غُيبت الطاقات الشبابية اليمنية بشكلٍ كبير لسنوات وسنوات ، وتم حصرها في زوايا الانتماءات والولاءات الحزبية الضيقة، ليس في الأدوار القيادية وصناعة القرار فحسب، بل على المستوى الوظيفي الصغير ، وتم تهميش الاف الشباب المؤهلين وذوي الكفاءات العالية وإرسالهم الى أماكن بعيدة كل البعد عن مواقع صناعة القرار.
وبالنظر إلى الحرب المستمرة في اليمن منذ سنوات وما تزامن معها من أزمة اقتصادية عميقة في البلاد بدءاً منذ العام 2011 وما تعرض لها الشباب من انتكاسة سياسية ، فلا عجب أن معظم شباب اليمن يشعرون بإحباط شديد من الوضع الحالي ، علاوة على ذلك ، فقد أثبطت النكسات المتتالية عزيمتهم، مما كان له أثر كبير وواضح على مستوى مشاركتهم السياسية ونشاطهم خلال هذه الحرب.
يمكن إرجاع إحجام الشباب اليمني عن الانخراط بشكل أكبر في الشؤون السياسية إلى عوامل عديدة داخلية وخارجية ، فداخلياً وعلى المستوى الفردي ، فإن انعدام الثقة في العملية السياسية في البلاد والشعور المتزايد باليأس قد دفع بالعديد من الشباب إلى العزلة السياسية والسلبية ، وبشكل أكثر تحديدًا، أدت سنوات الحرب والأزمة الاقتصادية الطاحنة إلى إضعاف إيمان الشباب اليمني بقدرتهم على التأثير بشكل إيجابي على الشؤون السياسية في البلاد.
إن الشباب اليمني يشعر بالخيانة من قبل النخب السياسية التي حولت مسار ثورتهم التي كانت بمثابة الفرصة الأكبر لهم في بناء مستقبل أفضل وتحقيق طموحاتهم من الديمقراطية والعدالة والمساواة الى حرب طاحنة لا يرون لها نهاية ، هذا الانتكاسة الواقعة ضمن سلسلة الانتكاسات التي تعرض لها الشباب اليمني جعلته يغير شكل مطالباته عن السابق ، فبدلاً من المطالبة بالمشاركة السياسية توجه الى المطالبة بتحسين الظروف الأمنية والاقتصادية وتوفير فرص العمل ، وبالمثل، فإن الخوف من التعرض للتجنيد الإجباري، أو الزواج القسري لأسباب اقتصادية في حالة النساء، إلى جانب مشاهدة فقدان الأحباء أو تضرعهم جوعًا بسبب الحرب، يبدو أكثر إلحاحًا وأكثر قلقًا للشباب مقارنةً بمطالب تبدو بعيدة المدى مثل الحصول على مقعد ضمن محادثات السلام.
إن الحاجة إلى تعزيز دور الشباب في مواقع صناعة القرار ليس بسبب الفجوة الكبيرة بين مواقع صنع القرار والشباب، بل أيضًا الحاجة إلى ضخ دماء جديدة في مراكز صنع القرار؛ لمعالجة الأزمة التي تعصف بالنظام السياسي في اليمن منذ سنوات؛ إذ يمثل الشباب، في أي مجتمع بشري، طاقة التجديد لامتلاكهم مساحة أوسع لتبني أفكار التغيير وطرحها في حال أتيحت لهم الفرصة في المشاركة الفاعلة والإيجابية في صناعة القرار، وهو ما سيؤدي إلى تحديث ديناميكيات صناعة القرار، وتحديث آلياته، وبالتالي المخرجات.
أيضاً يرتبط وصول الشباب إلى مراكز صنع القرار ارتباطًا وثيقًا بقدرتهم على المشاركة السياسية ، ويعد غياب التمكين الاقتصادي من أبرز المشكلات التي يعاني منها الشباب، وبالتالي تتبدل الأولويات، وتتراجع الرغبة في المشاركة السياسية إلى أدنى درجات سلم الاهتمامات؛ فيغيب الشباب عن مراكز صنع القرار ، ويؤدي تبدّل الأولويات إلى غياب الشباب عن مراكز صنع القرار، الذي يؤدي بدوره إلى غيابهم عن التأثير في السياسات التي تخص واقعهم، وهو واقع حيوي للغاية، متجدد ومتغير ، وفي هذه الحلقة المفرغة تدور مشكلة غياب الشباب عن صنع القرار منذ عقود.
وتعد البطالة والأنظمة الداخلية لمعظم الأحزاب السياسية من أهم العوامل التي تعيق وصول الشباب ومشاركتهم في مواقع صناعة القرار ، وبحسب دراسة استطلاعية قام بها الباحث علاء قاسم – بعنوان خمسة حواجز أمام إشراك الشباب في القيادة وصنع القرار – والتي استندت الى مقابلات مع 169 من الشباب والشابات في الأحزاب السياسية بهدف تقييم مدى تغير إشراك الشباب ضمن الأحزاب السياسية منذ 2011 ، ومدى مشاركة شباب الأحزاب السياسية في عملية صنع القرار ، فأن هناك خمسة حواجز تحول دون مشاركة الشباب وهي كالاتي:
1- غياب ثقة الإشراك الإيجابي.
2- نقص القدرات.
3- تعليق آليات الأحزاب للمناقشة والتغيير.
4- الحواجز الجغرافية.
5- الموارد المالية والأمن.
أيضاً يظل نقص المعرفة والتأهيل من أهم معوقات مشاركة الشباب في مواقع صناعة القرار الأمر الذي جعل من مواقع صناعة القرار تعمل بآلية وديناميكية لا وجود للشباب في مفاصلها مطلقاً.
وبحسب تقرير تقييم تدخلات الشباب والنساء في اليمن الذي نفذته منظمة شباب بلا حدود للتنمية فإن اليمن في تاريخها الحديث بيئة معادية لحقوق المرأة خاصة في البيئات القبلية التي تشكل حوالي 70% من البلاد.
وأنه وفقاً لمنظمة العمل الدولية تشكل المرأة اليمنية أقل من 10% من إجمالي القوى العاملة في الحياة السياسية وقد طغت هيمنة التحزب الذكوري على مشاركة المرأة في الحياة السياسية منذ توحيد الشمال والجنوب في عام 1990 واستغلت المعارضة قضايا المرأة في حين ظلت جميع الأحزاب مرتبطة بالعديد من الأعراف الثقافية والدينية التي تضع المرأة على أنها غير متكافئة مما أدى الى حرمانهم من حقوقهم السياسية.
إن الحرب والانقسامات السياسية التي يمر بها الوضع السياسي في اليمن أدى الى حرمان الشباب والشابات من أبسط حقوقهم في المشاركة حتى على مستوى إبداء الرأي ، الأمر الذي أدى الى عزوفهم عن المشاركة السياسية وجعلهم يتطلعون الى الهروب بعيداً من هذا الوضع بشكل كامل ، ولا سبيل الى تخطي هذه المعوقات الا من خلال فهم الدور الكبير والمؤثر للشباب في مواقع صناعة القرار وإتاحة فرص أكثر للشباب لتولي مناصب قيادية وتضمين برامج بناء القدرات الشبابية في خطط الأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني الاستراتيجية من خلال خطة استراتيجية وطنية شاملة تضمن وصول الشباب الى مواقع صناعة القرار.