الشباب.. من قهرية الحرب، إلى أولويات السلام

18 يوليو 2024

#رؤية_الشباب_للسلام #إفهمونا_نشتي_سلام #منظمة_شباب_بلاحدود #التوافق_الشبابي_للسلام_والأمن


References-Logo

أحمد شوقي

References-Logo

الشباب، من الجنسين، خزان الطاقات في أي مجتمع، وكما في السلم، ففي الحرب أيضاً، يكون الشباب وقود الحرب الأكثر اشتعالاً وإشعالاً، الأمر لا يتوقف بطبيعة الحال على المشاركين في القتال فقط، فهؤلاء إن كانوا جزءًا أساسياً في المشكلة والحل، فهم أيضاً يمثلون نسبة ضئيلة مقارنةً بالقسم الأكبر من ضحايا الحرب الشباب من المدنيين.
نعرف جميعاً أن الحرب استنزفت أعمارنا، بعض الكهول يتندمون، حسرةً، على عشر سنوات، بل أكثر، ضاعت من حياتهم في ظل الفوضى وعدم الاستقرار، بدءًا من الاضطراب الذي صاحب انتفاضة 11 فبراير 2011 الشبابية، ومروراً بالحرب منذ
2015 وحتى اليوم، وإذا كان الكهول يشعرون بالخيبة والألم لضياع هذه السنوات، فماذا يقول الشباب، الذين فقدوا في هذه الحرب زهرة العمر، وأخصب سنوات حياتهم، فترة الإنتاج والنبوغ والإبداع والنشاط والاجتهاد والعطاء والحيوية والطموح والتطلع والمثابرة والإنجاز والتأسيس لمستقبل أفضل.
السؤال: أين موقع الشباب في التفاعلات والتغيرات السياسية والاجتماعية التي تشهدها البلاد، بما فيها تحول الانتفاضة وتحول الحرب، لا يسعنا إنكار أن الشباب هم السواد الأعظم، في الثورة والحرب، وقد سعت القوى والأطراف المختلفة إلى إظهار أنهم ممثلون عن الشباب سواءً على المستوى الحزبي، أو حين يتعلق الأمر بالمحاصصة السياسية وقرارات التعيين الحكومية، لكن، غالباً لم يعكس هذا "التمثيل" إرادة الشباب الحرة وتطلعاتهم.
في دراسة قامت بها منظمة شباب بلا حدود للتنمية بهدف الخروج بتقرير عن رؤية الشباب لبناء السلام شملت قرابة الفين شاب وشابة من مناطق مختلفة في أنحاء الجمهورية، توصلت الدراسة إلى أن الشباب يرون أن مساهمتهم في تحقيق السلام المأمول في اليمن، ستتحقق من خلال تشكيل حزب سياسي، أو من خلال إشراك مكونات شبابية في مفاوضات السلام، بينما رأت نسبة أقل بقليل أن تمثيل الشباب يكون من خلال الحوكمة التي تضمن تمثيلهم بصورة عادلة في كل المستويات.
الدراسة تناولت ترتيب الأولويات الضرورية لتحقيق السلام من وجهة نظر الشباب، وفيما يبدو، فإن هناك حاجة للوعي بأهمية الحركات الاجتماعية في تحقيق مطالب الفئات التي تشعر بالتهميش كفئة الشباب مثلاً، وبرأيي أن تشكيل حزب سياسي يمثل الشباب أمر لا يبدو عملياً، إذ لا يمكن أن يوجد حزب سياسي يحتكر تمثيل فئة عمرية معينة، كأن يكون لدينا حزب للشباب وآخر للشيوخ وثالث للنساء، كما أن تمثيل الشباب في المشاورات، مسألة تقوم على بعض القصور، فقد لاحظنا فيما سبق، أن الكثير من الشباب الذين تم تمثيلهم في جلسات الحوار، أو مواقع قيادية، كانوا يمثلون إرادة الأطراف التي يمثلونها ولم يجسدوا إرادتهم الحرة، ولو حاولوا، لتم سحبهم أو استبعادهم، وبالتالي فإن تمثيلهم في تلك المواقع مرهون بمصادرة قرارهم وإرادتهم، بل وإرادة الجيل والشريحة الاجتماعية التي يمثلونها.
رغم ذلك، فإن هناك حاجة لتمثيل هؤلاء الشباب من خلال آليات أكثر تقدماً، تُراعي أولاً طبيعة القضايا التي تمثل هذه الشريحة، وموقفهم وموقعهم من الحرب والتحولات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية المختلفة، وتشركهم ثانياً في عملية المشاورات والمفاوضات المتعلقة بالسلام، كما أن آليات التمثيل داخل الأحزاب السياسية ينبغي أن تخضع إلى رقابة مدنية ومجتمعية بحيث تكون عملية تقديم مُرشحي الأحزاب تراعي الآليات الديمقراطية داخل هذه الأحزاب بحيث يعبر هؤلاء الشباب عن هموم وقضايا مجايليهم الآخرين من شباب الأحزاب، وليس عن توجهات أصحاب السلطة فيها.
نعود إلى الدراسة، التي استطلعت آراء الشباب حول أولويات تحقيق السلام من وجهة نظرهم، حيث عبر 82% من المستطلعين، أن وقف القتال المسلح، يأتي على رأس أولويات تحقيق السلام، وهي دعوة أخلاقية ومنطقية من الناحية النظرية، والأمم المتحدة والوسطاء الدوليين والإقليميين، قد بذلوا جهوداً في هذا السياق من خلال اتفاقات الهُدن بين أطراف الحرب، ولكن الواضح، أن هذه العملية تتطلب إرادةً حقيقية للتهدئة وبناءً للثقة بين أطراف الحرب، وإرادة إقليمية ودولية بحسب توصيات الدراسة، وكلا الأمرين متعلق بشبكة مصالح وتناقضات معقدة.
في الترتيب الثاني لأولويات تحقيق السلام، حلّ إنهاء تقاسم السلطة بنسبة 59% (والنسب هنا تراتبية)، والمقصود بإنهاء تقاسم السلطة، أي إنهاء المحاصصة السياسية، وهو عامل مهم، حيث أن البلاد تعيش مرحلة انتقالية، وفي هذه الحالة، كان بالإمكان تمثيل كافة القوى والفئات الاجتماعية/ السياسية، من خلال المشاركة، إذ يمكن أن تمثل الأكثريات والأقليات السياسية (بحسب المنظور الشائع) بالتساوي، دون تمايز، فلا يمكن تحديد حجم وثقل القوى السياسية ومستوى حضورها الجماهيري والشعبي إلا من خلال الانتخابات، بغير ذلك، فتقديرات أحجام القوى السياسية تفتقر للموضوعية والموثوقية.
كما كان يمكن إدارة المرحلة الانتقالية عبر حكومة كفاءات من المستقلين، وإجمالاً، فالإصرار على استمرار المحاصصة السياسية هو تأكيد على دوافع الاستحواذ، ما يعني استمرار الصراع. غير أن التوصيات التي حملتها الدراسة، قد ركزت أيضاً على ضرورة الحوكمة، واستخدام المعايير في اختيار الكفاءات لشغل المناصب الحكومية.
ثالثاً، حل تفعيل دور المؤسسات الحكومية، ضمن سلم الأولويات، بنسبة 50%، وبمفهوم اقرب للشائع، فيعني تفعيل دور المؤسسات تطبيع الحياة العامة، وهذا يعني عودة مؤسسات الدولة للعمل بكامل طاقتها، في إدارة شؤون ومصالح الناس وتوفير الخدمات وتحقيق الأمن والاستقرار وضمان عدالة التقاضي وتوفير ضرورات الحياة والتعايش وتحسين الأوضاع الاقتصادية ودفع عجلة التنمية للأمام، ولو كانت القوى الرئيسية في البلاد، والحديث هنا ليس عن طرفي الحكومة الشرعية وسلطات الأمر الواقع في صنعاء فقط، بل عن جميع القوى، قد عملت على خلق نموذج مناسب وجاذب لتطبيع الحياة العامة، وتحييد مؤسسات الدولة وأنشطتها عن النزاعات السياسية والمسلحة، ربما لأجبر هذا القوى الأخرى تحت الضغط الشعبي على التنافس لتوفير مثل هذه الميزات، وهو ما يمكن أن يشكل مقدمة لخلق تفاهم سياسي يقود للسلام تحت الضغط الجماهيري، وقد نصت التوصيات على مطالبة الحكومة باتخاذ الإجراءات اللازمة لتحسين الخدمات العامة ومطالبة الجهات المانحة توفير الدعم اللازم لذلك.